الأحد، 7 فبراير 2016

تَرانيمُ وَطَن ..‏

   يا كاتبَ التاريخِ قـفْ هَـا هنا وردّدِ السلامَ ، قفْ وتمعنْ تجاعيدَ شـعـبٍ أدماهُ القدرُ ، قفْ ولو للحظةٍ وامررْ على قبرِ أبو عمارَ والياسينِ ، واقرأ فاتحةَ الكتابِ عليهم وعجِّلْ بنصرةِ صلاحِ الدينِ ، وامررْ على كلِّ مدنِ فلسطينَ مرورِ الكرامِ ، لكنْ تمهّل قليلاًسيستوقفُكَ كهلٌ يسترقُ النظرَ لجدارِ فصلٍ عنصريٍ قدْ التهمَ أرضَه ، ستستوقِفُكَ امرأة في الستين من عمرِها تقفُ على عصاً تتكئُ عليها ترسمُ الدمعةُ على خديّهَا مراسمَ تأبينِ شعبٍ لا زالَ ينتظرُ بزوغَ شمسِ الانتصارِ ، إن سألتَهَا ماذا دهاكِ حتى صوَّرتْلي تجاعيدُ وجهُكِ ألفَ حكايةٍ وحكاية ، ستجيبك : أحضرْ كلَّ كتبِ التاريخ فلي من القصص ما تستوعب ألف كتاب ، كل ما في الأمر يا عزيزي أنّ زوجي قد أصابته شظية في الانتفاضة الأولى قد ألزمته الفراش حتى فارق الحياة ، وابني الأكبر لا زاليمضي عقده الثاني في غياهب سجون الاحتلال ، وابني الأوسط قد استشهد في الانتفاضة الثانية تاركاً وراءَه زوجته وأولاده الأربعة ، وابنتي الوحيدة ترملت بعد سنة من زواجها ، عُذرَاً يا عزيزي قدْ حانَ موعدُ حقنةِ ابني الصغيرِ ، أستودُعُك السلامة .

    
   قف ها هنا تمهل قليلاً ، امرر على الأحياءِ القديمةِ ، وخذ معك نقودَك لكي تتسوقَ في الأسواقِ الشعبية ، ستجد على حافةِ الطريق رجلاً عجوزاً يجلس وأمامَهُ الفجل والنعناع ، يبيعهم لكي يحصل على قوت يومه ، وستجد شاباً في ريعان شبابه يركض أمام النساء ستحسبه يغازلهن ، وما إن تقترب إليه تجده يركض خلفهن لكي يبعهن الجوارب النسائية ، يركض خلف لقمة عيشه ، لا تستغرب من ذلك المشهد فهو يتكرر من وهلة لأخرى الكل هنا يبحث عن ما يبقيه على قيد الحياة ، وأنت يا كاتب التاريخ لا زلت تبحث عن ما يبقيك على قيد الكتابة ، فقط امرر كل يومٍ على فلسطين ستدِّون ألف حكاية وحكاية .   

بقلم: سامي عواودة 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق