الأحد، 7 فبراير 2016

مـفـتـاحُ جَــدِّي

    كنتُ صغيراً لا أفقَهُ منْ وجعِ الوطنِ شيئاً ، كانَ جَدي يحدثني عنْ نكبَةٍ قدْ شردَتْ شعبَاً بأكملِهِ ، قدْ قتلَتْ وَشردَتْ وسلبتْ الكرامةَ منْ الأمةِ العربيةِ ، كنتُ أحسبُ جدي يحدثنِي عنْ إحدَى قِصَصِ ألفِ حكايةٍ وحكايَةٍ ، فلقدْ كانَ بارعَاً في حياكَةِ القصصِ وكأنهُ الحكواتِي المشهورُ ، لكنْ كبِرتُ وأيقنتُ أنَّ جدِي لمْ يكنْ إلا شاهدَاً حيّاً على النكبةِ المأساويةِ ، كبرْتُ حتى أيقنتُ أنًّ ذلكَ المفتاحَ القديمَ الذيْ كانَ معلقَاً على الحائطِ كانَ الشاهدَ الأكبرَ على ألمِ جدي ، ذلكَ المفتاحُ الذي كانَ رفيقَ الدربِ الوفيِّ لِجَدي . 
   فَارقَ الحياةَ جدي تاركَاً وراءَهُ المفتاحَ القديمَ ، فارقَ الحياةَ ولمْ يفارقُ مفتاحَهُ الحائطَ ، آهٍ يا جدي فلقدْ تركتَ لي الكثيرَ ، تَركتَ لي مِفتاحَكَ القديمَ الذي يَروِيْ الصدأُ الذي عليه آهاتَ الرجوعِ لربوعِ الوطنِ ، رحلتَ عنّي يا جدي وتركتني أراقبُ الجيوش العربية التي كنت تأمل منها الخير ، مسكين أنت يا جدي رحلت ولا تعرف أنهم مجرد أسطورة تناقلها أسلافك ووصلت إليك ، عذراً يا جدي فتلك الأسطورة لم تصل إليّ ، عن أي جيوش كنتم تتكلمون ، عن جيوش قد سخرت لحماية قصر ملكي أو قلعة رئاسية ، جيوش قد التهم الصدأُ مدرعاتها وأسلحتها ، عن أي وهمٍ كنت تحدثني يا جدي ، عن أي أسطورة كنت تتكلم ، سأصدق أسطورة العنقاء وزرقاء اليمامة ولن تمرّ عليَ أسطورة الجيوش العربية .

   آنَ الأونُ لكي أتوارث ذلك العِقدَ النفيس ، فلقد كبرتُ وباستطاعتي أن أحمِلَ حُلْمَ العودة لبيت جدي ، كبرتُ وكَبُرَ همي ، كبُرَ حلمي وأملي ، جدي نَمْ قريرَ العينِ فلا زالت رائحة المريمية البريَّة وخبز الطابون الشَهِيّ يروادُني في المنام ، لا زلت أحلمَ بالعودة ، لا زلت متمسكاً بما تمسكت به ، أعدك أني سأكون الرفيق الوفيّ لمفتاحِك القديم . الآن يحق لي شرف الحصول عليك يا مفتاح جدي .

بقلم: سامي عواودة 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق